الجمعة، 21 سبتمبر 2012

ذكرى في عام

يوم الرحيل
(مطار القاهرة الدولي)

لمْ يكنْ يراودني سوى أفكار مضرجة بالخيالات والإنفعالات الفانية و الآتية المتتالية ، في يوم أنْ قررت (الرحيل) ، والذي كان قسراً ولم يكن إجبارياً في آنٍ واحد |فقد أجبرت نفسي بإبعادها عن الوطن لسنوات قليلة عجاف، من أجل العلم والتعلم| ، و في نفس  الأثناء ، أنا خيّرتُ نفسي تطوعاً لها بأن أختار العلم و التعلم أولويةً ، وجعلته الهدف المنشود فقد سطَّر المتنبي بيتاً للشعر قائلاً : لولا المشقة لساد الناس كلهم ... فالجود يفقر والإقدام قتّال .

في مثل هذا اليوم قد قررت المغادرة ، وأنْ أبتعد عن غزة و أهلها ، وبحرها وجوها و نسيمها ، لأذهب إلى بلاد يعتقد الكثير بأنها ، ستجد هناك راحتك ، و ملاذاً آمناً لك ولمستقبلك ، ولكن هيهات بأن يكون جسدك حاضراً هناك في الخارج ، وروحك ما زالت و ستدوم هنا في وطني.
قررت اليوم الرحيل عن بيتي ، وعن حارتي بعيداً عن أهلي و و أقاربي و من أكسبني ثقافتهم ، وعلمّتهم و تعلّمت منهم ، و من عشقت مجاورتهم ، و لم أسئم يوماً أو أملّ الحديث و الجلوس معهم .
هناك في ذاك الشارع في غزة ، قد تجد يوماً آثار قدماي ، و صدى صوتي ما زال يراوح مكانه فقد يكون في آذان أهل بيتي ، فقد عشنا معاً أياماً ، وقضيناها حُسن القضاء ، فقد كانت بعضها تفوق الجمال، و بعضها الآخر كان مثقلاً بالحزن .
فقد كنتُ أشاركهم بأفراحهم ، وأتراحهم ، إنه فقط في وطني...!

استيقظتُ الساعة الخامسة فجراً ، بتاريخ ـ الحادي و العشرين من أيلول ـ و ذلك بعد مجرد غفوة بعد أيام عجّت بالزيارات الفرحة الحزينة التي كانتْ تمنحني وداعها رحيلاً ، لم تمدُّ للراحةِ بصلة ، استغرقت الغفوة ساعات قليلة ، وبعدها ، استيقظتُ فأُبصِرُ حولي ، لعلها تكونُ النظرة الأخيرة لأشياء عايشتها و إن كانت "جماداً" ، بدأتُ يومي بصلاة أذكر فيها ربّي ، وأدعوه بأن يتمّ سفري على خيرٍ .
بعد ذلك  ، أكلت بعض الشيء ، والذي كان أنْ استعصى دخولَ حلقي .
قبّلتُ إخوتي ، و بنظراتٍ مؤلمة خجولة ، ولكنها تحمل الكثير من معاني الفرقة والابتعاد ،فتحتُ باب البيت ، وبخطيً أخطو نحو الخروج ، فإذا بأختي الصغيرة تبكي ورفضها بأنْ أركبَ السيارة ـ و أبتعد ـ ولكنْ لم أستطعْ ، إنه القدر فعل ما يريد...
فقد ركبت السيارة ، فبهذا ترجّلتُ عن صهوة فرس أرض غزة ، و امتطيت خيول السفر والترحال و الغربة .
أثناء طريقي إلى ميناء غزة البري ، ضجّتْ قلوبنا دمعاً ، وارتطمتْ عظام القفص الصدري وجعاً ، و ذرقت عيوننا دمعاً .
منذ ذلك الحين يؤرقني حنين الأمّ و براءةَ الإخوة الصغار ، وانتظر كانتظار أمّ لمولودها الجديد، بأن أعودَ لكي أصافح أيادهم حباً و شبقاً.


هناك تعليق واحد: